اليوم العالمي للأرامل، الذي يُصادف 23 يونيو من كل عام، هو مناسبة أطلقتها الأمم المتحدة عام 2011 لتسليط الضوء على معاناة الأرامل في جميع أنحاء العالم، واللاتي غالبًا ما يعانين من التهميش، الفقر، وفقدان الحقوق الأساسية بعد وفاة أزواجهن، يهدف هذا اليوم إلى كسر الصمت المحيط بمشاكل الأرامل وتمكينهن من العيش بكرامة وأمان اجتماعي.
لكن حين نأتي إلى الواقع العراقي، تصبح قصة الأرامل أكثر تعقيدًا، وتتحول إلى مأساة إنسانية متفاقمة، نتجت عن عقود من الحروب، العنف الطائفي، الإرهاب، والانهيارات السياسية والاقتصادية.
أرامل العراق: جراح لا تندمل
وفقاً لتقارير محلية ودولية، يُقدّر عدد الأرامل في العراق بما يفوق مليون ونصف أرملة، معظمهن فقدن أزواجهن بسبب الصراعات المسلحة منذ الثمانينات وحتى الآن، بدءًا من الحرب العراقية-الإيرانية، مرورًا بحرب الخليج، ثم الغزو الأميركي، وأخيراً اجتياح تنظيم “داعش” لمناطق واسعة من البلاد.
أبرز معاناة الأرامل في العراق:
- الفقر والعوز المالي:
الكثير من الأرامل لا يمتلكن مصادر دخل ثابتة، ويعتمدن على إعانات حكومية متواضعة لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية، وتُجبر بعضهن على العمل في وظائف هامشية أو التوسل للحصول على ما يسدّ رمق أطفالهن. - التمييز المجتمعي:
تواجه الأرامل نظرة دونية من المجتمع، ويتعرضن للنبذ، خاصة في المجتمعات الريفية أو التقليدية، حيث تُلقى عليهن مسؤولية فقدان الزوج أو يُنظر إليهن كعبء. - الافتقار إلى الدعم النفسي والاجتماعي:
لا توجد برامج حكومية كافية لإعادة تأهيل الأرامل أو مساعدتهن نفسيًا لتجاوز الصدمة، ولا لتوفير التدريب المهني الذي يمكن أن يمنحهن فرصة حياة كريمة. - الأرامل في مخيمات النزوح:
عدد كبير من الأرامل ما زلن يعشن في مخيمات النزوح التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة، بعد أن دمرت الحرب منازلهن وأفقرت أسرهن. - إهمال قانوني ومؤسساتي:
رغم وجود وزارة معنية بشؤون المرأة، إلا أن البرامج الموجهة للأرامل تبقى ضعيفة أو غير مفعّلة، وهناك نقص واضح في التشريعات التي تحمي حقوقهن في الميراث، السكن، والحضانة.
دعوات للحلول
في هذا اليوم العالمي، يُناشد كثير من النشطاء والمنظمات المجتمع الدولي والحكومة العراقية بما يلي:
- تفعيل برامج الحماية الاجتماعية وتوسيع دائرة المستفيدات من رواتب الرعاية.
- إطلاق برامج تدريب مهني وتعليمي للأرامل لتمكينهن اقتصادياً.
- توعية مجتمعية لكسر النظرة السلبية تجاه الأرامل.
- إدماج الأرامل في السياسات الوطنية بصفتهم شريحة مهمة ضمن النسيج الاجتماعي.
- توفير دعم نفسي وقانوني مجاني لهن.
مبادرات محلية واعدة دور مؤسسة الركيزة
رغم التحديات الكبيرة التي تواجه الأرامل في العراق، إلا أن بعض المبادرات المحلية تسعى إلى التخفيف من معاناتهن وتحسين واقعهن المعيشي والاجتماعي، من بين هذه المبادرات، تبرز مؤسسة الركيزة، وهي مؤسسة إنسانية تُعنى بفئة الأيتام وأمهاتهم الأرامل، حيث تعمل على دعم هذه الشريحة المهمّشة من خلال توفير برامج تأهيل وتدريب مهني.
لقد ساهمت المؤسسة بشكل فعّال في توفير فرص عمل للعديد من الأرامل، كما نظّمت دورات تدريبية في مجالات متعددة مثل الخياطة وتوفير بقرة حلوب، مما مكّن النساء من امتلاك مهارات جديدة تعزز استقلاليتهن الاقتصادية، كما تعمل مؤسسة الركيزة على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، وبناء شبكة من التضامن المجتمعي تضمن للأرامل العيش بكرامة واستقرار.
هذا الدور الريادي للمؤسسات الأهلية يؤكد أهمية الشراكة بين المجتمع المدني والدولة في معالجة القضايا الإنسانية الكبرى، ويمنح الأمل بإمكانية التغيير الإيجابي حتى في أكثر الظروف قسوة.
اليوم العالمي للأرامل ليس فقط مناسبة رمزية، بل يجب أن يكون دعوة عملية لكل حكومات العالم، وخاصة في دول النزاع مثل العراق، للنظر بجدية في أوضاع النساء اللاتي يدفعن ثمن الحروب والاضطرابات، دون أن يكنّ طرفًا فيها، فتمكين الأرامل هو تمكين لعائلات بأكملها، وبداية لتعافي المجتمعات من جراحها العميقة.