الزكاة ودورها في التنمية المستدامة للبلدان
خاص – الركيزة
تُعد مشاريع الزكاة واحدة من أهم وسائل تحقيق التنمية المستدامة في البلدان النامية، حيث تمثل هذه المشاريع فرصة حقيقية للمساهمة في القضاء على الفقر وتحسين جودة حياة السكان. إن فكرة توظيف الزكاة في التنمية المستدامة تجمع بين الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وتعكس الروح الإنسانية والمسؤولية الاجتماعية التي تجمع المجتمعات.
ما هي فلسفة الزكاة في الشريعة؟
فلسفة الزكاة في الشريعة الإسلامية تتمحور حول عدة أهداف وغايات، على رأسها هي أنها طاعة لله سبحانه، وفريضة من الفرائض الخمسة الرئيسية في الإسلام، كما أن من رحمة الله أن كان لهذه الفريضة آثار تهدف إلى تحقيق المساواة الاجتماعية وتوفير الرعاية للمحتاجين في المجتمع..
وقد حدد الخالق سبحانه وتعالى مجالات صرف الزكاة في ثمانية مصارف، إجتمعت في الآية الكريمة: ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ))
وتعمل الزكاة على إعمار المجتمع من خلال توفير الدعم المالي للفقراء والمحتاجين. وهذا يساهم في تحسين مستوى الحياة للأفراد والمساهمة في نمو الاقتصاد المجتمعي، إضافة إلى تحقيق العدالة الاجتماعي من خلال فرض الزكاة على الأغنياء وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، للحد من التفاوت الاقتصادي بين الأفراد.
كذلك فإن الزكاة تساهم في تعزيز روح المحبة والتآخي بين أفراد المجتمع، والمساهمة في تمكين الفقراء والمحتاجين من تحسين أوضاعهم وتوفير فرص عيش كريمة لهم.
فالزكاة اذن وصفة ربانية لتحقيق التكافل الاجتماعي والرحمة والعدل، وتعزيز العلاقة بين الأفراد والمساهمة في بناء مجتمع متكافل ومتراحم.
دور مشاريع الزكاة في التنمية المستدامة
- مكافحة الفقر والجوع: تعد مشاريع الزكاة وسيلة فعالة لمكافحة الفقر وتوفير الدعم للأسر المحتاجة والفقيرة. يمكن استثمار الزكاة في تقديم المساعدات النقدية أو الغذائية للفقراء، مما يساهم في تحسين مستوى حياتهم وضمان وصولهم للاحتياجات الأساسية.
- تعزيز التعليم والمهارات: يمكن تخصيص جزء من الزكاة لتعزيز التعليم وتقديم الفرص التعليمية للشباب والأطفال. بالإضافة إلى ذلك، يمكن توجيه الزكاة نحو تقديم برامج تدريبية وتطوير مهارات العمالة لزيادة فرص العمل والانخراط في الاقتصاد.
- تحسين البنية التحتية والخدمات الصحية: من خلال استثمار الزكاة في تطوير البنية التحتية وتقديم خدمات صحية معيارية، يمكن تحقيق تحسين كبير في جودة الحياة. مثل هذه المشاريع تشمل بناء المستشفيات والمدارس وتوفير المياه النظيفة والصرف الصحي.
- تعزيز الاقتصاد المحلي: توجيه الزكاة نحو تمويل مشاريع صغيرة ومتوسطة تعزز من الاقتصاد المحلي. هذه المشاريع يمكن أن تشمل تطوير الصناعات الحرفية، وتعزيز الزراعة المستدامة، وتوفير فرص العمل في المجتمعات النامية.
الزكاة ودورها الاجتماعي والإقتصادي
الزكاة ودورها في التكافل الاجتماعي
تلعب الزكاة دورًا مهمًا في تعزيز التكافل الاجتماعي في المجتمعات. حيث يعمل نظام الزكاة على تحقيق التوازن بين الطبقات الاجتماعية من خلال تحويل الثروات من الأغنياء إلى الفقراء والمحتاجين، وبذلك يقوي روح التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع. تساهم الزكاة في تخفيف العبء عن الفقراء وتوفير احتياجاتهم الأساسية مثل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والتعليم، مما يعزز الاستقرار الاجتماعي ويقلل من الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، تعزز الزكاة الروابط الاجتماعية وتعمل على تعزيز التواصل بين مختلف شرائح المجتمع، وبالتالي تعمل على بناء مجتمع أكثر تكافلًا وتلاحمًا.
الزكاة ودورها في التنمية الاقتصادية
وذلك عبر توجيه الموارد المالية نحو الفئات المحتاجة في المجتمع. من أجل توزيع الثروة بشكل عادل. من خلال تحصيل وتوزيع الزكاة بطريقة صحيحة وفعّالة، يمكن تقليل حدة الفقر وتحسين مستوى المعيشة للأفراد غير القادرين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للزكاة أن تسهم في تقليل التفاوتات الاقتصادية الكبيرة بين الطبقات المختلفة، مما يساهم في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام.
تجارب متطورة في توظيف الزكاة
هنالك عدد من البلدان في العالم لديها تجارب متطورة وناجحة في توظيف الزكاة لتحقيق التنمية المستدامة ومكافحة الفقر، ويمكن أن تشكل مصدر إلهام للدول الأخرى، من بينها:
- المملكة العربية السعودية: واحدة من أهم الدول التي تقوم بتوظيف الزكاة بشكل شامل ومتقدم. حيث يتم جمعها وتخصيصها لمشاريع تنموية متعددة، بما في ذلك توفير الرعاية الصحية والتعليم وتحسين البنية التحتية.
- ماليزيا: تستخدم الإدارة الماليزية الزكاة في دعم الفقراء والمحتاجين وتعزيز الإمكانيات الاقتصادية للفئات الضعيفة. كما تمتلك ماليزيا نماذج متميزة لإدارة وتنفيذ مشاريع الزكاة.
- إندونيسيا: حيث يتم إستخدام الزكاة لتمويل مشاريع تنموية وتحسين الرعاية الاجتماعية، بالإضافة إلى دعم التعليم والصحة والزراعة.
- الأردن: لها تجربة متطورة في تقديم الدعم المالي للفقراء، بالإضافة إلى تمويل مشاريع تعليمية وصحية وخدماتية أخرى.
- تركيا: تمتلك تركيا نموذجًا مميزًا لإدارة الزكاة، حيث تستخدمها لتمويل مشاريع تنموية تشمل التعليم والصحة والإغاثة وتحسين الظروف المعيشية.
- الإمارات العربية المتحدة: يتم إدارة الزكاة بشكل مركزي وتُخصص لتمويل مشاريع تنموية متنوعة في مختلف القطاعات.
- قطر: بالإضافة إلى المشاريع التعليمية والصحية والاجتماعية، تسعى دولة قطر لتحقيق التنمية المستدامة من خلال توجيه الزكاة نحو الفئات الأكثر حاجة.
مجالات توظيف الزكاة في التنمية
استثمار الزكاة في العراق يمثل فرصة هامة لتحقيق الفائدة الاجتماعية والاقتصادية للمحتاجين والمجتمع بشكل عام. وهناك العديد من المشاريع المناسبة التي يمكن النظر فيها لاستثمار الزكاة في العراق. ومن بين هذه المشاريع:
- برامج الإغاثة والمساعدات الإنسانية
- مشاريع التعليم والتدريب
- مشاريع الصحة والرعاية الطبية
- المشاريع الإنتاجية والزراعية
- بناء المساجد ودعم التعليم الديني
هذه مجرد أمثلة عامة على المشاريع التي يمكن استثمار الزكاة فيها في العراق. من المهم أن تتم دراسة المشاريع بعناية وتقييمها من حيث الجدوى والتأثير الاجتماعي لضمان تحقيق أفضل النتائج للمجتمع وللمحتاجين. يمكن أن تلعب الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية دورًا حيويًا في تنفيذ هذه المشاريع وضمان نجاحها. كذلك من خلال التنسيق مع المؤسسات الحكومية العاملة في هذا المضمار، ومن أبرزها دائرة صندوق الزكاة والصدقات، وهي دائرة حكومية عراقية تتبع لديوان الوقف السني.
تحديات ونصائح:
- التخطيط الجيد: يجب وضع خطط استثمارية محكمة تضمن توجيه الزكاة نحو المشاريع الأكثر أهمية وأثراً في المجتمع، ومراعاة الضوابط الشرعية التي إشترطها الله سبحانه وتعالى على مصارف الزكاة,
- الشفافية والمراقبة: يجب توفير نظام شفاف وفعّال لتوزيع الزكاة ومتابعة تنفيذ المشاريع لضمان أن تصل إلى المستحقين بطريقة عادلة.
- الاستدامة: يجب أن تكون المشاريع قائمة على أسس مستدامة، حيث يمكنها أن تستمر في تقديم الفوائد على المدى الطويل.
- الشراكات والتعاون: يمكن أن تكون الشراكات مع المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية والمجتمع المدني مفيدة لزيادة تأثير مشاريع الزكاة، ولا تكون على حساب أموال المتصدقين.
- التوعية: يجب توعية المجتمع بأهمية ودور الزكاة في التنمية المستدامة وتشجيع المسلمين على التبرع والمشاركة، بوصفها فريضة ربانية أولا، ولكونها أداة من أدوات التنمية في المجتمع
باختصار، مشاريع الزكاة تمثل أداة قوية لتحقيق التنمية المستدامة في البلدان النامية. توجيه الزكاة نحو مشاريع مدروسة ومستدامة يمكن أن يحدث تغييرًا في حياة الفقراء ويساهم في بناء مجتمعات أكثر عدالة.