وانتصر أهل غزة، غزة ذلك الشريط الضيق الذي يقع على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، لطالما كان مركزًا للتحديات والأزمات، لكن رغم ما تحمّله من آلام وحروب، أصبحت غزة رمزًا للصمود والمقاومة في وجه الظلم والاحتلال، ومن خلال شهورٍ طويلة من النضال، تمكنت غزة من أن تكتب فصولًا جديدة في تاريخ الكرامة والحرية.
لقد عاشت غزة الكثير من المآسي منذ أن وطأت أقدام الاحتلال الإسرائيلي أراضيها، ومع مرور السنين، تطورت المقاومة الفلسطينية في غزة لتصبح قوة لا يستهان بها، رغم محاولات العدو تدمير كل شيء، في ظل الحروب المتكررة، والحصار الذي طال أمده، نمت إرادة الإنسان في غزة، وأصبح الشعب الفلسطيني فيها يتمتع بشجاعة غير عادية في مواجهة أصعب الظروف.
كان الحصار الإسرائيلي على غزة أحد أبرز محاور معاناتها اليومية، فقد أغلقت المعابر، ومنعت الكثير من المواد الأساسية عن السكان، مما أدى إلى تدهور الوضع الإنساني، بالاضافة الى القصف مستمر، إلا أن شعب غزة، ورغم كل هذه الضغوط، لم يستسلم، فسكان غزة أظهروا للعالم أجمع كيف يمكن للإنسان أن يقاوم الفقر والتشرد في ظروف قاسية، وكيف يمكن للأمل أن يظل مشتعلاً رغم الظلام في كل زاوية من زوايا غزة، تجد رجالًا ونساءً وأطفالًا يبدعون في مواجهة الحصار، ويحولون التحديات إلى فرص للبقاء والنمو.
وكما فرح المؤمنون يوم بدر، يوم رأوا جند الله يتنزل على الميدان، ورأوا النصر بعين الإيمان قبل أن تراه العين المجردة، كذلك في كل زمان، يفرح المؤمنون حين يُنصر الحق، حين ترتفع رايات العدل، حين يزهق الله الباطل ولو كره الكافرون، يُعاد اليوم مشهد الفرح في تلك البقعة الصغيرة، التي أحاطها الأعداء من كل صوب، ظانّين أن كيدهم سيُجهز على صمودها.
لكنها كعادتها، وقفت شامخة كطود عظيم، تكابد النيران وتُطفئها بثبات الرجال ودموع الأمهات وصبر الأطفال.
اليوم، غزة أكثر من مجرد مدينة، هي مدينة تعيش حلم التحرر والعدالة، إن صمودها الباسل أمام الاحتلال ليس إلا بداية لمسيرة طويلة نحو الحرية، في غزة لا توجد كلمة استسلام ، هناك حياة جديدة على الرغم من كل الصعاب، وهناك مستقبل ينتظر أن يكتب بأيدي الأجيال القادمة.
اليوم قد أشرق الصباح على أرضٍ ارتوت بالدماء، وتضوعت أنسامها برائحة العزّة، وتجلّت فيها سُنّة الله التي لا تبديل لها، غزة تلك القطعة الصغيرة من الأرض التي ضُربت فيها أروع الأمثلة لصبر الرجال واحتسابهم، حيث تلاطمت فيها أمواج الحق والباطل، وكانت للدماء الزكية صوت فيها أبلغ من أي سلاح.
وانتصر أهل غزة، فهي اليوم ليست مجرد مكان جغرافي، بل هي فكرة ومبدأ، إنها فكرة النضال المستمر من أجل حقوق الإنسان والحرية، وإنها مبدأ الكرامة التي لا يمكن لأي قوة أن تكسرها، فسلامٌ على صمودها الذي سجله التاريخ بحروفٍ من دم وعلى صبرها الذي لم يضعف رغم كل الجراحات.