اليوم العالمي للعمل الإنساني:
بدأ من العراق .. ولا يزال
خاص – الركيزة
يمثل اليوم العالمي للعمل الإنساني أو يوم الإنسانية العالمي، تذكيراً مؤثراً بتفاني وتضحيات العاملين في المجال الإنساني على مستوى العالم. إذ يبرز هذا اليوم جهودهم في التخفيف من معاناة الأفراد في مواجهة الأزمات.
ويتمتع هذا اليوم برابط خاص مع بلدنا العراق تحديدا، إذ يمثل هذا التاريخ ذكرى التفجير الإرهابي لمقر الأمم المتحدة في بغداد في 19 أغسطس 2003، والذي أدى إلى وفاة 22 من موظفي الأمم المتحدة.
فيتم تخصيص هذا اليوم من كل عام بهدف زيادة الوعي بالجهود الإنسانية، وتقدير مساهمات أولئك الذين يشاركون في العمل الإنساني، والدعوة إلى ضمان سلامة وحماية العاملين في المجال.
كما يسلط الضوء على أهمية تقديم المساعدة للأشخاص المحتاجين، بغض النظر عن جنسياتهم أو أعراقهم أو دياناتهم أو انتماءاتهم السياسية.
ويعمل العاملون في المجال الإنساني، بما في ذلك الأطباء والمتطوعون والمنظمات الإغاثية، في بيئات خطرة وتحديات صعبة، معرضين سلامتهم الشخصية لتقديم المساعدة الحيوية للمتأثرين بالكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة والأوبئة والطوارئ الأخرى، فكان اليوم العالمي للعمل الإنساني تذكيراً بالحاجة المستمرة للتعاون الدولي والدعم لمعالجة الأزمات الإنسانية وتخفيف معاناة الشرائح الضعيفة.
التأصيل الإسلامي للعمل الإنساني
إن التأصيل للعمل الإنساني في الإسلام هو أمر واضح ومبين، إذ يتجلى في العديد من الآيات القرآنية والهدي النبوي الكريم في الحث على الإحسان والخير والرحمة بالضعفاء وإغاثة الملهوف، وهو من صميم ما أمر به الخالق سبحانه في قوله ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ وقوله تعالى ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً﴾
وبالتالي تكون منطلقات العمل الإنساني في العراق والبلدان الإسلامية بشكل عام نابعة من دين يحث على التراحم والتعاون في الخير، ومن فطرة راسخة في النفوس تدفع نحو ذلك
تحديات العمل الإنساني في العراق
على الرغم من مضي 20 عاما على حادثة التفجير الذي استهدف مبنى الأمم المتحدة، فلا تزال هناك تحديات مستمرة إلى الآن تواجه العمل الإنساني في العراق، مثله مثل كثير من مناطق الصراعات والنزاعات الأخرى.
وأولى هذه التحديات هي المخاوف الأمنية، اذ يواجه العاملون الإنسانيون العاملين في العراق مخاطر أمنية كبيرة بسبب النزاعات المستمرة ووجود الجماعات المسلحة. وهذا يعرض سلامتهم للخطر ويعوق قدرتهم على الوصول إلى المجتمعات المتأثرة.
وغالبًا ما تكون مناطق النزاع غير قابلة للوصول أو خطرة، مما يجعل من الصعب على منظمات الإغاثة تقديم المساعدة حيث تكون الحاجة أكثر إلحاحًا. فيبقى العامل الأمني هو الأكثر حسكا في عملهم.
ضعف الموارد وشحتها هو عامل إضافي يضاف إلى تحديات العمل الإنساني في العراق، مما يعيق مقياس وفاعلية برامج المساعدة، خصوصًا في ظل تهجير واسع النطاق، إذ تم تشريد ملايين العراقيين داخل البلاد، مما خلق حاجة ملحة للمأوى والطعام والمياه النظيفة وخدمات الرعاية الصحية. تلبية هذه الاحتياجات تشكل تحدياً دائماً للمنظمات الإنسانية.
في ظل هذه الظروف والتحديات يسعى العاملون الإنسانيون للحفاظ على تقديم الخدمات الحيوية الأساسية من رعاية صحية وتعليم بجودة مقبولة، بالإضافة إلى حماية ودعم الفئات الضعيفة كالنساء والأطفال وكبار السن. وهذه جميعا تمثل تحديا كبيرا للعاملين.
الركيزة.. نموذج من الواقع:
مؤسسة الركيزة للإغاثة والتنمية، هي منظمة غير حكومية من منظمات المجتمع المدني في العراق. تأسست منذ نحو 8 أعوام، وهي تركز في عملها في الدرجة الأساس على تنمية المجتمع وتمكين الفرد وإرساء دعائم الاستقرار في البلد.
فهي تحاول تغطية أبرز مجالات العمل الإنساني الأساسية والضرورية في العراق، بدءاً من مشاريع المياه والإعمار، مرورا بمشاريع الإغاثة والرعاية الاجتماعية للعوائل المهجرة والمنكوبة، وانتهاء بالصحة والتعليم وكل ما يحسن من سبل العيش في العراق.
مثل هذه المؤسسات وغيرها مما يعمل على تنمية الأنسان اقتصاديا وثقافيا ومعرفيا عبر مشاريع نافعة تلبي احتياجاتهم الأساسية. ويضمن لهم العيش الكريم هو عمل يصب في أساس الرسالة الإنسانية التي يحتفي بها العالم في هذا اليوم.
ماذا يمكننا أن نفعل كأفراد في اليوم العالمي للعمل الإنساني؟
يوفر اليوم العالمي للعمل الإنساني فرصة للأفراد والمجتمعات والمنظمات للمشاركة في أنشطة تسهم في زيادة الوعي بقضايا الإنسانية وتظهر دعمها للعاملين في المجال الإنساني، ويأتي على رأسها التعلم ونشر الوعي بالعمل الإنساني، خصّص الوقت للتعرف على القضايا الإنسانية، والتحديات التي يواجهها العاملون في مجال الإغاثة، وتأثير الأزمات على السكان الضعفاء حول العالم.
كما يمكن استثمار وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات والقصص والإحصائيات المتعلقة بالعمل الإنساني، ومشاركة قصص الأفراد الذين تأثروا بهذه الجهود، وكيف أحدثت المساعدة الإنسانية فارقاً في حياتهم.
أو على الأقل أن نعبّر عن امتناننا وتقديرنا للعاملين في هذا المجال، فهم الأبطال الحقيقيون والمؤثرون الحقيقيون في حياة الناس، بدلا عن أبطال الرياضة ومؤثري مواقع التواصل.
ولا بأس بالمشاركة في أعمال الخير في الحياة اليومية مهما كانت بسيطة، فقد تؤدي أعمال اللطف الصغيرة إلى تأثير إيجابي يتسع دائرته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إماطة الأذى عن الطريق صدقة”.
خاتمة
يعتبر اليوم العالمي للعمل الإنساني شهادة على شجاعة والتزام العاملين في المجال الإنساني، خاصة في مناطق مثل العراق حيث تكون التحديات شاقة. ونحن نمر بهذا اليوم من كل عام، دعونا نعترف بالجهود الدؤوبة لهؤلاء الأفراد والمنظمات التي تدعمهم، من خلال معالجة التحديات التي تواجه الأزمة الإنسانية في العراق، فنقترب أكثر من عالم يحمي الضعفاء، وتستطيع المجتمعات إعادة بناء حياتها بكرامة وأمل.