إنّ تداعيات الترهل الوظيفي وضعف الإنتاجية، أصبحت من أبرز المشاكل التي تحتل رقم واحد في داخل دولة العراق، وأصبح الإهمال ضمن الدوائر الحكومية وتفشي الفساد والمحسوبيات، وتأخير المواطنين والمراجعين عن عملهم، يثير استيائهم من هذا الوضع، والذي يودي بالبلاد العراقية إلى خطر كبير على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
حيث وعلى الرغم من كون العراق من أكثر الدول بعدد الموظفين في العالم، إلا أن التراجع في سوق العمل، والاقتصاد بدا ملحوظا، مما يشير إلى تحذيرات تكمن في صعوبة توفير فرص عمل للأجيال القادمة والشباب العراقي في السنوات القادمة.
إلى جانب انتشار البطالة، نجد أيضا صعوبة تأمين الرواتب للموظفين والمواطنين في السنوات القادمة، خاصة مع أنباء ان الاعتماد على القطاع النفطي سوف ينخفض عما قريب بحدود ٢٠% على حسب منظمة أوبك، وأن بقاء اعتماد العراق على النفط في الرواتب والموازنة التشغيلية الكبير طامّة كبرى.
وفي ظل هذه البيانات ينبغي إيجاد حل مشاكل الترهل الوظيفي وتداعيته على الإنتاج، بتحقيق توازن بين القطاعات الزراعية والصناعية، ودعمها لتأخذ دورها في التوظيف وفي تسيير عملية الإنتاج، بالإضافة إلى إعادة النظر في ملفات التوظيف ووضع الموظف الصحيح في المكان الصحيح، مع وضع قوانين وشروط صارمة للموظفين تحتم عليهم الالتزام وعدم الإهمال، ومتابعة دورهم في تحسين الإنتاجية.
تداعيات الترهل الوظيفي وضعف الإنتاجية
إنّ العراق تحتل الدول الأكثر نسبة في عدد الموظفين الحكوميين، فلماذا نشهد ضعفا ملحوظا في الإنتاجية ولماذا يعاني المراجعون فيها؟!
ذلك ما أكدت عليه منظمة العمل الدولية حيث صرّحت بأنّ: “العراق الدولة الأكثر نسبة بعدد الموظفين الحكوميين في العالم من دون أن تخفف معاناة المراجعين”.
إنّ ذلك بسبب ما يسمّى بالترهل الوظيفي، الذي عُرفت به جميع الدوائر الحكومية وموظفيها العراقيين، والذي يعود إلى أسباب عدّة منها:
- شيوع الفساد في الدوائر الحكومية من دون عقاب لمظاهره أو عقاب على قبول الرشاوي والتقصير في العمل والسلوك غير اللائق مع المراجعين وعدم المبالاة بأحوالهم وأوضاعهم، وكذلك السرقة والاختلاس من أموال العامّة دون محاسبة للفاعلين أو ردعهم من قبل المسؤولين.
- بالإضافة إلى دور الأحزاب السياسية والكتل التي تعددت في البلاد وأصبحت كثيرة ومنافسة فيما بينها وتمول لنفسها من خلال ملفات التوظيف الحكومي.
- عدم التنظيم الإداري الذي أدى إلى تدهور جميع مديريات الدولة وأجهزتها، وضعف الأداء الحكومي في الحد من هدر الأموال العامة، وعدم تدخلها في المشاريع التنموية ومشاريع النفط حيث يؤول كل مشروع إلى الفشل لغياب كل من الحكمة والحكومة الرشيدة، وغياب التخطيط المنطقي والعقلي، وإلى جانبها غياب الشفافية والنزاهة.
وبالتالي ضعف الإنتاجية وشيوع الترهل الوظيفي في شتى الدوائر الحكومية في العراق الذي أدى إلى سخط الكثير من المواطنين، حيث أصبحت تداعيات الترهل الوظيفي وضعف الإنتاجية حديث الساعة.
أقرأ ايضاً: الواقع الدراسي في العراق للمدارس الحكومية و الخاصة
ما هو الترهل الوظيفي
إنّ أبسط تعريف للترهل الوظيفي، هو تراجع الفاعلية في العمل ونقص الكفاءة من قبل الموظّف أو صاحب العمل وعدم مبالاته بأداء واجباته على الوجه الصحيح وعدم تنفيذه لمهامه، مما يؤدي إلى عدم تحقيق الأهداف المطلوبة وتراجع الفعالية سواء على الفرد نفسه أو على مجموعة من الأفراد.
كما يسبب الترهل الوظيفي إلى إهدار الموارد البشرية والمالية في أنشطة غير مهمة وفي غير مكانها المناسب، ويسبب أيضا بتدهور جودة الخدمة التي يجب أن تُقدّم من قبل الموظفين، فيؤدي ذلك حتما إلى سخط البيئة المحيطة أو المتلقي الفرد أو المواطن، كما يحدث ذلك للمواطنين العراقيين الذين فقدوا ثقتهم في الدوائر والمؤسسات الحكومية والجهات المختصة المسؤولة عنهم.
كما يعدّ الترهل الوظيفي وضعف الإنتاجية وجهان لعملة واحدة حيث يشكلان:
- خطرا كبيرا على النموّ الاقتصادي في العراق وعلى أسبابه التي تكمن في عدم القدرة على التعاون بين الأفراد من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وخطرا على فرص العمل، وعلى استحقاق الفرد لفرصة العمل.
- احتمالية خروج العراق من دائرة الاستثمار الاقتصادي وضياع الفرص الاستثمارية فيها، لأنها تخرج من دائرة الجذب للمستثمرين الاقتصاديين، ممّا يؤخّر التنمية فيها والنمو الاقتصادي الذي يؤخر بالتالي النمو على صعيد كافة المجالات الأخرى.
- صعوبة توفير فرص عمل مناسبة للمواطنين العراقيين، وبالتالي زيادة معدلات البطالة في دولة العراق.
- عدم إنجاز كل من المعاملات والأوراق لجميع الأفراد والمواطنين في الوقت المحدد، وتأخير الإجراءات الروتينية، مما يؤدي إلى تأخير التقدم والتطور على جميع الأصعدة داخل دولة العراق وسخط الكثير من المواطنين والعملاء فيها.
التوظيف في العراق
يشكّل التوظيف في العراق مع ما يتعلّق به من إشكاليّات مسألة شائعة داخل دولة العراق وتحتها الكثير من الخطوط الحمراء والتساؤلات، حيث على الرغم من الترهل الوظيفي وزيادة نسبة الموظفين في العراق، إلّا أنه يجب توفير فرص عمل لأصحاب الكفاءة والشهادات، وللشباب الذين هم في سنّ العمل، فمعدّلات البطالة المقترنة مع الصراعات والتوترات الأمنية التي تحدث في هذه المرحلة في ازدياد متواصل.
لجأت الحكومة العراقية إلى وضع قوانين الخدمة الاتحادية لتنظيم التوظيف ومما نصت عليه:
- بنود تنصّ على تنظيم وظائف المواطنين بعيدًا عن المحسوبيات، مع تنظيم عمل الوظائف القيادية الخاصة والعليا، بالإضافة إلى تحديد واجبات وشؤون الموظفين، بالإضافة إلى تنظيم إجازات الموظفين.
- وأخرى تنص على الأمور المحظورة فيما يخصّ التوظيف مثل حظر الجمع بين وظيفتين حكوميتين للموظف الواحد، وتحديد جوانب العمل التي يجب أن يترأسها ويقوم بها كل موظف، بالإضافة إلى تحديد حالات إنهاء العلاقات الوظيفية للموظف، وأخيرا إجراء عقوبات ومخالفات انضباطية للموظفين المخالفين لعملهم.
- بالنسبة للرواتب نصّ على ضرورة تنظيم رواتب على حسب الإجازات الدراسية، وتحقيق التوازن فيما بين الراتب والأعمال المطلوبة للموظف، مع ضرورة صرف حوافز مادية ومعنوية ومكافآت للموظف.
أمّا عن التحدّيات التي تواجه سوق العمل العراقي والتوظيف في العراق وتؤثر في نشر البطالة تتلخّص في: اعتماد المواطنين والموظفين على القطاع الحكومي في العراق وكثرة المتقدمين على الوظائف الحكومية،
على عكس القطاع الخاص الذي شحت فيه فرص التوظيف، بالإضافة إلى نقص المهارات والكفاءات في العراق والسبب يعود على نظام التعليم فيها، وأمور أخرى تتعلق في المحسوبيات والرشاوي والواسطة، والفساد.
أقرأ ايضاً: القطاع الخاص وأثره في مكافحة البطالة وجذب المستثمرين
متوسط الرواتب في العراق
متوسط الرواتب في العراق والأجور تتفاوت على حسب القطاع والمهنة وطبيعة العمل ومستوى الخبرة، ولعدة عوامل أخرى أساسية قد تزيد أو تنقص من راتب الموظف على حسب الهيئة أو المؤسسة والدائرة التي يعمل فيها، وقد يختلف أيضا على حسب الإقليم العراقي أو المنطقة التي يقيم ويعمل فيها الفرد.
لكن وبشكل عام صنف متوسط الرواتب في العراق إلى المرتبة الـ ٦٢ عالميّا، والمرتبة العاشرة عربيا، وتقريبا يعادل الحد الأعلى للرواتب في العراق إلى ما يصل مليوني دينار شهريا، أما إذا بلغ الحد الأدنى فيصل إلى 518.000 دينار عراقي.
وبشكل تقريبي، نفصل أجور الموظفين ومتوسط الرواتب في مختلف القطاعات منها:
- القطاع الحكومي: يكون متوسط الرواتب فيه أقل من القطاع الخاص، ومتوسط الرواتب يتراوح حوالي 500,000 دينار عراقي شهريًا أي حوالي 420 دولار أمريكي.
- القطاع النفطي: يُعتبر من أهم قطاعات الاقتصاد العراقي، وتكون الرواتب في هذا القطاع عادة مرتفعة، وتختلف حسب المهنة والمستوى الوظيفي، قد يتراوح متوسط الرواتب في هذا القطاع بين 1,000 دولار أمريكي و5,000 دولار أمريكي شهريًا.
- القطاع الخاص: تتفاوت الرواتب في القطاع الخاص على حسب الشركة والصناعة، يتراوح متوسط الرواتب في هذا القطاع بين 300,000 دينار عراقي و1,500,000 دينار عراقي شهريًا، أي حوالي 250 إلى 1,250 دولار أمريكي.
- يتم حساب رواتب بعض المهن داخل العراق ولا سيما في القطاعات الخاصة، وصرف الأجور على نظام الساعة، أو اليوم أو الشهر.
يختلف متوسط الرواتب في العراق على حسب جنس العامل سواءً كان ذكر أو أنثى، حيث تقل رواتب الإناث عن الذكور بنسبة تصل إلى ١٧%.
أقرأ ايضاً: الزراعة في العراق … آفاق وتحديات ومستقبل الزراعة
الترهل الوظيفي وضعف الإنتاجية
الترهل الوظيفي وضعف الإنتاجية هما قضيتان ترتبطان في بيئة العمل، يشيران كثيرا إلى فقدان الحماس والاهتمام والرغبة في العمل، ويمكن أن يتسبب في تراجع الأداء والإنتاجية، وقد يحدث لعدة أسباب:
- عدم الرضا الوظيفي، فلا يكون الموظف راضيًا عن بيئة عمله أو عن الوظيفة نفسها، قد يتراجع اهتمامه وحماسه في العمل.
- سوء التوازن بين الحياة العملية والشخصية، عندما يكون هناك ضغط كبير على العاملين وعدم وجود وقت كافٍ للراحة والاسترخاء، فقد يؤدي ذلك إلى الترهل الوظيفي.
- عدم وجود تحديات وفرص للتطوير في العمل، مثل أن يشعر العامل بعدم وجود فرص للتعلم والتطوير المهني، فبالتالي يفقد حماسه واهتمامه في العمل بالإضافة إلى عدم وجود الدعم اللازم.
ونعيد الذكر بأن العراق يشهد تداعيات الترهل الوظيفة وضعف الإنتاجية، فإنّ أعداد العمال والموظفين في العراق زاد عن المعدل الطبيعي في العالم تسعة أضعاف، مما يستدعي إيجاد الحلول المناسبة بالسرعة القصوى،
حيث كشف العديد من المسؤولين إلى بعض الأخطار والتي منها عدم وجود قاعدة بيانات صحيحة لجميع موظفي العراق، وينبغي وضعها على الفور، بالإضافة إلى وجود مزدوجي الرواتب التي ينبغي تصفية قوائمهم على الفور، كما ينبغي اتخاذ الإجراءات الضرورية لعدم مواجهة مشكلات اقتصادية إلى جانب مشكلات اجتماعية سوف تجتاح العراق في الأيام القادمة.
أقرأ ايضاً: تحديات الريف والهجرة إلى المدينة و ظاهرة التمدن المتزايدة
التعامل مع الترهل الوظيفي والإهمال
كشفت مصادر أنّ مخاطر كبيرة قد تشهدها العراق على صعيد الوضع الاقتصادي والاجتماعي وضعف إنتاجية البلاد في آن واحد، نتيجة الترهل الوظيفي والإهمال الذي تشهده الكثير من الدوائر والمؤسسات الحكومية، حيث أن المخاوف والتحذيرات ازدادت حول تأمين رواتب الموظفين في السنوات القادمة، التي تحمل الكثير من المخاطر.
وإزاء هذه الظروف ينبغي إيجاد حلول للتغلب على الترهل الوظيفي وتحسين الإنتاجية في العراق، وللتعامل مع الترهل الوظيفي والإهمال يجب اتخاذ بعض الإجراءات كما نصح الكثير من المحللين:
- البحث عن مصادر دخل غير النفط الذي يُعتمد عليه بشكل كبير على موازنته التشغيلية وعلى رواتب الموظفين، وعدم الاعتماد على القطاع النفطي الذي تشير دراسات أنه سوف ينخفض مع بداية سنة ٢٠٤٥ بحدود ٢٠%.
- توفير بيئة عمل إيجابية وداعمة للموظفين في مؤسسات العمل وتحسين التواصل التعاون بين الإدارة والعاملين وتعزيزه، بالإضافة إلى تقديم التحفيز والتقدير للعاملين عن طريق الاعتراف بإنجازاتهم ومساهماتهم.
- وضع سياسات محكمة ورصينة تضع آليات صحيحة، وقاعدة بيانات حقيقية لجميع الموظفين في العراق بالإضافة إلى تصفية قوائم مزدوجي الرواتب بالتعاون مع مجلس الخدمة الاتحادي وجميع الوزارات المعنية.
- تقوية الاستثمارات المتعلقة بالجانب النفطي مثل الغاز وجميع الصناعات الأخرى وتفعيل الجباية في السنوات القادمة.
حل مشاكل الترهل الوظيفي وتداعيته على الإنتاج
أوضحنا سابقا إلى خطورة تداعيات الترهل الوظيفي وضعف الإنتاجية والإهمال وما له من أثر سلبي على الدولة والمجتمع، مما يحتّم إلى ضرورة إيجاد حلول جذرية والابتعاد عن الحلول الترقيعية والمؤقتة، والتي تزول ويزول أثرها في أيام معدودة، وينبغي اجتماع جميع الجهات المختصة والمعنية من وزارات ومؤسسات ودوائر حكومية مع مجلس الخدمة الاتحادي في العراق.
لحل مشاكل الترهل الوظيفي وتداعيته على الإنتاج يجب اتخاذ تدابير عدة كما كشف محللون عراقيون منها:
- اقتراح وضع الموظف الحكومي في نظام الملاك الدائم، أي بما يشابه نظام القطاع الخاص، وبوضع قوانين صارمة ومحددة، وشروط يجب اتباعها لكي يبقى على رأس عمله على حسب إنتاجيته ودوره في تطوير العمل والإنتاجية والمساهمة في المجتمع.
- تحسين إدارة الموارد البشرية: يجب تعزيز إدارة الموارد البشرية بشكل فعال، من خلال توظيف واختيار العاملين المناسبين على حسب شهاداتهم ودراستهم، وتوفير فرص الترقية والتطوير المهني، إلى جانب نظام المكافآت والتحفيز الذي يعزز الأداء والتفاني في العمل.
- محاولة تحسين البنية التحتية والمرافق، مثل توفير التجهيزات والمعدات الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة، يساهم ذلك في زيادة كفاءة الإنتاج وتحسين جودة المنتجات.
- محاربة كل مظاهر التفشي والفساد وأبرزها الرشاوي والمحسوبيات، وعدم التوظيف على هذا المنوال بالإضافة إلى ما ذكرنا سابقا بضرورة تقليل متعددي الرواتب ووضع قواعد البيانات الحقيقية لجميع الموظفين في كافة الدوائر الحكومية العراقية.
أقرأ أيضاً: الدراسة الجامعية وعلاقتها بسوق العمل وإغناء السوق بالكفاءات