تأخر سن الزواج.. الأسباب والنتائج
خاص – الركيزة
تعدّ قضية تأخر سن الزواج في العراق من القضايا الاجتماعية الهامة التي تشهد تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. وهي ظاهرة تحمل في طياتها العديد من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. سنتناول في هذا المقال الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة والنتائج التي يمكن أن تنجم عنها، وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني بهذا الخصوص.
وقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عله وسلم قال: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاءٌ))، والمراد هو (من استطاع منكم مؤنة النكاح فليتزوج).
فبما أن التحصن والتعفف واجب، وضدهما محرم، والشباب أشد شهوة، فقد خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم مرشدا ًلهم إلى طريق العفاف، فإن للزواج أثرا عظيما في تحصين الفرج وغض البصر.
وبالإضافة إلى ما في الزواج من حماية للإنسام في الوقوع في الحرام، فهو في ذات الوقت تحقيق للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وتكوين الأسرة المسلمة والمساهمة في بناء مجتمع متوازن ومستقر، كذلك يساهم الزواج في توجيه الشباب نحو المسؤولية، حيث يتحملون مسؤوليات الزوجية والأبوة والأمومة ومسؤوليات بناء الأسرة.
ارتفاع ملحوظ في سن الزواج
تظهر المؤشرات الرسمية وبيانات الأمم المتحدة أن هناك ارتفاعا ملحوظا في معدل سن الزواج في العديد من دول العالم، بما في ذلك العراق، إذ تشير الأرقام إلى أن معدل سن الزواج للذكور يتجاوز 26 سنة وللإناث نحو 22.5 سنة، وذلك وفقا لإحصاءات عام 2014، ليتصاعد بعدها المعدل إلى أرقام أعلى منذ لك بكثير بحكم الاضطرابات الأمنية والسياسية التي شهدتها البلاد في ذلك العام والأعوام اللاحقة من سيطرة تنظيم داعش ودخول أكثر من ثلث البلاد في دوامة من التهجير والتشرد.
أسباب تأخر الزواج
عند دراسة ظواهر من هذا النوع، فلا يمكن الجزم بأي عامل واحد يكون هو السبب الوحيد لها، وإنما تكون عادة مجموعة من العامل المعقدة والمتراكبة التي توصل إلى هذه النتيجة، يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- التعليم والتحصيل العلمي قد يلعب التعليم دورًا كبيرًا في تأخر سن الزواج، حيث يسعى الشباب إلى إكمال دراستهم العليا وتحقيق استقلال مالي قبل الارتباط بالزواج، وهذا يدفع إلى أواخر العشرينات أو حتى مطلع الثلاثينات.
- الوضع الاقتصادي، وهذا يكاد يكون العامل الأبرز، إذ يعتبر الاستقرار المالي والقدرة على تأمين حياة مستقرة وتتحمل المسؤوليات المالية من العوامل التي تؤثر في تأخر سن الزواج. خاصة مع ارتفاع مستوى المعيشة العام بسبب الانفتاح على الإنترنيت، مما أدى إلى زيادة الطلبات والمصاريف التي ترهق كائل الأسرة.
- التغيرات الثقافية والقيمية المجتمعية قد تؤدي إلى تحول في تصور الشباب للزواج، حيث يمكن أن تزيد التركيز على الاستقلالية والتطلعات الشخصية، والانخراط في سوق العمل وتحقيق التقدم المهني وكل هذه العوامل تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تأخر سن الزواج.
شاهد أيضا : مشروع مودة لإعفاف الشباب
الآثار المترتبة على تأخر سن الزواج
هناك العديد من الآثار الفردية والمجتمعية التي يمكن ملاحظتها كإحدى نتائج تأخر سن الزواج لدى الشباب، فبالإضافة على العامل النفسي للشاب نفسه في ضبط احتياجاتهم البيولوجية التي فطرهم الله عليها وهي في أقصى ذروتها في مرحلة الشباب. فإن تأخر سن الزواج يسهم أيضا في تغيير هيكل الأسرة، والتباطؤ في معدلات النمو السكاني وزيادة التحديات المتعلقة بالتوازن الديموغرافي.
كما يؤدي تأخر سن الزواج إلى تغييرات في نمط الإنفاق والاستهلاك، حيث يمكن أن يكون للأفراد المتأخرين في الزواج نمط مالي مختلف، إذ يمكن ملاحظة العلاقة بين زيادة معدلات دخل الفرد وبين تأخر سن الزواج كما في هذا المخطط.
دور المنظمات والجمعيات في تسهيل الزواج للشباب
تلعب المنظمات والجمعيات دورا هاما في تسهيل الزواج للشباب في العراق من خلال تقديم الدعم والخدمات المتعلقة بالزواج والحياة الزوجية. إذ يمكن أن تسهم هذه المنظمات في تحقيق استقرار اجتماعي وتقوية العلاقات الأسرية والمجتمعية، فيما يلي بعض الأدوار التي يمكن أن تقوم بها المنظمات والجمعيات في هذا السياق:
- التوعية والتثقيف: تقوم المنظمات بتقديم برامج توعية وتثقيفية للشباب حول مفهوم الزواج، وحقوق الأزواج والزوجات، وكيفية التعامل مع التحديات الزوجية. وهذا يساعد الشباب على تجنب الخطوات الخاطئة خاصة في الماحل الأولى.
- تقديم الاستشارات: تقدم مراكز الاستشارات الزوجية والعائلية المساعدة للشباب في التحضير للزواج. تشمل هذه الاستشارات النصائح العاطفية والاجتماعية والاقتصادية.
- تسهيل إجراءات الزواج: قد تقدم المنظمات المساعدة في إجراءات الزواج، مثل توفير المستندات الضرورية وتوجيه الأزواج المقبلين على الزواج حول الخطوات القانونية والإجرائية.
- توفير دورات تدريبية: يمكن للجمعيات تنظيم دورات تدريبية للشباب تشمل مهارات حياتية مهمة مثل التواصل الفعّال وحل المشكلات، وهذا قد يساهم في تعزيز نجاح العلاقات الزوجية.
- دعم اقتصادي: قد تقدم بعض المنظمات دعمًا اقتصاديًا للشباب الراغبين في الزواج، سواء من خلال منح أو قروض ميسرة، مما يساهم في تخفيف العبء المالي عنهم.
مبادرات مجتمعية
الكثير من العوائل والمجتمعات الصغيرة بدأت تستشعر هذه المشكلة وتفاقهما وآثارها السلبية، وهناك عدد من المبادرات المجتمعية التي انطلقت من هذا المبدأ، لعل أبرزها مبادرة عائلات إحدى القرى المصرية ( زواج بدون ذهب ) والتي اتفقت فيها جميع العائلات في القرية على إلغاء بعض المظاهر المكلفة المرتبطة بالزواج، مثل الذهب وبعض الطقوس المصاحبة للأعراس، في وثيقة من 9 وصايا لتيسير الزواج على الشباب تلتزم بها جميع العائلات ويعاقب مخالفوها بغرامات مالية.
الخلاصة
الزواج المبكر يمكن أن يوفر للشباب حالة الاستقرار العاطفي والنفسي، وبناء الشخصية، مما يساهم في تنمية نمط حياة مسؤول وتوجيه الشباب نحو التفكير بشكل أكبر في التحديات المستقبلية. إضافة إلى تقديم بيئة آمنة وشرعية للأزواج للتعبير عن مشاعرهم واحتياجاتهم الجنسية، وهذا قد يساهم في الحفاظ على العفاف وتجنب العلاقات الجنسية غير المشروعة.
ولكن تجدر الإشارة هنا إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي أن الزواج المبكر أيضا لا يخلو من تحديات ينبغي أن تراعى، إذ أنه يشترط فيه وجود النضج الجسمي والنفسي لكلا الشريكين قبل الإقدام على هذه الخطوة. إضافة إلى وجود الدعم المالي والدعم الإجتماعي من قبل العائلات والأصدقاء، او الجمعيات والمراكز الاستشارية المختصة. والتركيز على (الأسرة) المترابطة المتآلفة، والتي تمثل وحدة البناء الأساسية للمجتمعات.