أزمة مياه في بلاد الرافدين
خاص – الركيزة
كيف تحول العراق من بلاد اكتسبت اسمها وشهرتها عبر التاريخ من كثرة روافدها المائية فصارت تسمى (بلاد الرافدين)، إلى بلد هو الخامس عالميا من حيث البلدان الأكثر تأثرا بالتغير المناخي، مع أزمة المياه الحادة، وحديث عن جفاف تام لأنهاره يلوح في الأفق القريب وليس البعيد.
عوامل نقص المياه في العراق
هناك العديد من العوامل المؤثرة والتي أدت بمجموعها إلى هذه الأزمة، بعض هذه العوامل يرجع إلى التحديات البيئية وتغير المناخ، وأخرى مرتبطة بطرق بالحوكمة المائية وسبل إدارة موارد المياه في البلاد من قبل الحكومات المتعاقبة، ويمكن إجمال هذه العوامل في ثلاثة نقاط رئيسية:
- نقص كميات المياه الواردة إلى العراق بشكل عام، سواء من خلال انحسار الكميات المائية الواردة عبر نهر دجلة و نهر الفرات مع كثرة السدود التي تقيمها دول المنبع، أو بسبب تغيرات المناخ ونقص هطول الأمطار، مما يؤثر على مستويات المياه في الأنهار والبحيرات واستنزاف المياه الجوفية، وزيادة مساحات التصحر.
- سوء إدارة موارد المياه، فالعراق طيلة الفترة الماضية كان لديه تعامل غير فعال مع إدارة الموارد المائية، بما في ذلك سياسات الري والزراعة غير المستدامة وانعدام تكنلوجيا إدارة المياه في مرافقه الزراعية والخدمية، إضافة إلى تلوث المياه نتيجة للصرف الصناعي والصرف البلدي وعدم معالجة الفضلات بشكل مناسب مما يؤثر على جودة مياه الشرب.
- يضاف إلى كل ذلك التحديات الأمنية والسياسية التي تعيشها البلاد، والتي تؤثر على القدرة على تنفيذ مشاريع تحسين البنية التحتية وإدارة الموارد المائية بشكل فعال. خاصة مع التصاعد المستمر في عدد السكان، مما يزيد الطلب على المياه للشرب والزراعة والاستخدامات المختلفة.
تحديات حفر الآبار في العراق
رغم أن العراق من البلدان ذات المخزون العالي في المياه الجوفية، بحكم وجود نهري دجلة والفرات، إلا أن أزمة المياه التي ضربت البلاد خلال العقدين الماضيين أدت إلى استنزاف المياه الجوفية بشكل ملحوظ.
مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعدات والمواد اللازمة للآبار نتيجة لندرة المياه والحاجة الملحة إلى استخراج المياه من الآبار الجديدة، ذلك فضلا عن زيادة تكاليف الطاقة من وقود وكهرباء لرفع المياه من الآبار العميقة.
كل هذه العوامل وغيرها من تكاليف إضافية تولدها العمالة والإضافية والصيانة والإصلاح جعلت خيار حفر البئر أكثر صعوبة بالنسبة للعوائل الفقيرة، والتي تعتمد على هذه المياه بشكل أساسي في الزراعة وسقي الماشية والحيوانات، ما أدى إلى انخفاض إيرادات القطاع الزراعي وبالتالي يمكن أن يكون له تأثير سلبي على الاقتصاد بشكل عام.
مشاريع “التحلية”
بالنظر إلى البلدان المجاورة التي ليس لديها مورد مستدام للمياه العذبة كما في دول الخليج العربي، نجد أن معظمها قد بلغت مراحل متقدمة في الاعتماد على مشاريع تحلية مياه الخليج العربي واستعمالها للشرب والزراعة وكافة الاستخدامات الأخرى، ما يجعلها خيارا مطروحا لحل مشكلة شحة المياه في العراق، غير أن هذا الخيار لا يخلو من تحديات.
أولى هذه التحديات يكم في تكلفة تحلية مياه الخليج العربي واستخدامها كمصدر للمياه العذبة في العراق، إذ يعتمد الأمر على العديد من العوامل، بما في ذلك التكنولوجيا المستخدمة والبنية التحتية المطلوبة وتكاليف الطاقة وغيرها.
على سبيل المثال، تكلفة تحلية مياه البحر تتأثر بتقنية التحلية المستخدمة، حيث يمكن أن تكون هناك تقنيات مثل التحلية بالتناضح العكسي أو التحلية بالتبخر المتعدد أو غيرها. تقنيات التحلية تختلف في تكاليف التشغيل والصيانة واستهلاك الطاقة.
بالنسبة لاعتماد مياه الخليج العربي كمصدر للمياه العذبة في العراق، ستتضمن التكلفة أيضًا تكاليف نقل المياه من موقع التحلية إلى باقي المدن العراقية وإنشاء البنية التحتية اللازمة لتوزيع وتخزين المياه.
بشكل عام، فإن تكاليف تحلية المياه من مصادر مالحة هي تكاليف مرتفعة نسبياً، وهذا يتعلق بالتكنولوجيا والطاقة المطلوبة. أما في حالة النقل عبر مسافات طويلة، فستكون هناك تكاليف إضافية للأنابيب والبنية التحتية.
شاهد أيضاً : افتتاح مشروع بئر الرحمة 15 في محافظة نينوى / قرية مبهل
الدور الحكومي في مواجهة الأزمة
لمواجهة هذه الأزمة، تحتاج الحكومة العراقية -بالدرجة الأساس- إلى اتخاذ إجراءات اكثر جدية، في تحسين إدارة المياه إدارة مستدامة، تطوير سياسات وخطط للري والزراعة لتأخذ في الاعتبار توفير المياه واستدامة الموارد. مع تشجيع استخدام تقنيات الري الفعالة مثل الري بالتنقيط والري برش الماء للحد من تبذير المياه.
كذلك تحسين البنية التحتية لجمع وتخزين وتوزيع المياه عبر إنشاء سدود وخزانات وأنابيب نقل للمياه، ومعالجة المياه المستخدمة والصرف الصحي والصناعي لإعادة استخدامها مرة أخرى للأغراض الزراعية أو الصناعية.
ذلك فضلا عن دور السلطات التشريعية في تشديد التشريعات والقوانين المتعلقة بإدارة ملف المياه ومعاقبة المخالفين، وكذلك دور الدبلوماسية الخارجية في التعاون الإقليمي والدولي لتبادل الخبرات والتعاون مع الدول المجاورة والجهات الدولية لتبني استراتيجيات مشتركة لإدارة وتوزيع المياه عبر الحدود. ودعم الأبحاث في مجال توفير مصادر مياه بديلة
الدور المجتمعي
على مستوى منظمات المجتمع المدني والأفراد فإن غالب جهودها ستتركز في مجالين اثنين، لا تقل أهمية عن الدور الحكومي، وهما:
- الدور التوعوي بأهمية المحافظة والترشيد في استهلاك المياه على مستوى الأفراد، وتبني عادات وثقافة استدامة في استخدام المياه واستشعار الخطر المحدق بالبلاد لجعل هذا الأمر قضية وطنية وحراك شعبي للمحافظة على هذا المورد الحساس.
- أما المسار الثاني فهو يتركز في محاولة حل المشاكل الآنية للأفراد من خلال توفير حلول مستدامة قليلة التكلفة لتحلية المياه أو تنقيتها، او حفر الآبار لمياه الشرب في القرى والمناطق البعيدة عن مصادر المياه.
الحلول اللازمة لأزمة المياه في العراق تتطلب تعاونا مشتركا بين الحكومة والمؤسسات المحلية والدولية والمجتمع المدني. يجب أن تكون هذه الجهود مستدامة ومتكاملة للتأكد من توفير المياه النقية والصالحة للاستخدام البشري والزراعي والبيئي.