خاص – الركيزة
يلفت إنتباهنا بسرعة وجود أي جروح او كسور أو حتى الحمى والسعال الذي يصيب أبناءنا أحيانا. غير ان كثير من أمراض وإشكاليات الصحة النفسية لا تكون ظاهرة للعيان، ولا ينتبه إليها الكثيرون. في حين أن الصحة النفسية هي جزء أساسي من الصحة البدنية العامة، بل أحيانا تكون أمراضها أصعب وأعقد وأكثر خطرا على المريض، لما تسببه من إضطرابات سلوكية أو إكتئاب أو قد تؤدي إلى الإنتحار.
ما هو مفهوم الصحة النفسية؟
يمكن تعريف الصحة النفسية بأنها القدرة على التعامل مع التحديات والضغوط الحياتية بشكل فعال، مع الشعور بالسعادة والرضا، والقدرة على تحقيق الإمكانات، وبناء علاقات صحية ومثمرة مع الآخرين.
إذ تعتبر الصحة النفسية جزءًا أساسيًا من الصحة العامة، فهي تؤثر على كيفية تفاعل الأفراد مع العالم من حولهم وكيفية تحقيقهم لجودة حياة أفضل. لذلك فهي جديرة بالاهتمام والبحث عن الدعم والمساعدة عند الحاجة، وذلك للمحافظة على توازن العقل والعاطفة.
وبالتالي فإن هناك العديد من العناصر التي يمكن تضمينها تحت هذا العنوان، بما في ذلك:
- الوعي الذاتي: القدرة على فهم مشاعرك وأفكارك واحتياجاتك النفسية، والتعرف على مصادر الضغط والقلق.
- التحكم في العواطف: القدرة على إدارة عواطفك بشكل صحيح والتعبير عنها بطريقة مناسبة دون ان تسبب الضرر لنفسك أو للآخرين.
- التعامل مع الضغوط: القدرة على التعامل مع التحديات والضغوط الحياتية بفعالية دون أن تؤثر سلبًا على صحتك النفسية.
- العلاقات الاجتماعية: بناء والحفاظ على علاقات صحية مع العائلة والأصدقاء والزملاء.
- الشعور بالرضا والسعادة: الشعور بالرضا والسعادة في الحياة وتحقيق الأهداف الشخصية والاجتماعية.
- التواصل الجيد: القدرة على التواصل بشكل فعال وصحي مع الآخرين، والبحث عن الدعم عند الحاجة.
الصحة النفسية في الإسلام
الإسلام منهاج حياة شامل ومتكامل، وبالتالي فقد اعتنت الشريعة الإسلامية بشدة بالصحة النفسية للفرد كجزء مهم من الصحة العامة، ويوجه المسلمين إلى اتباع نمط حياة بالقول والفعل لرعاية الجسم والعقل والعاطفة معاً، لنا وللآخرين من حولنا كذلك.
فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)، وكذلك الحث على الصلاة والذكر هما وسيلتان رئيسيتان لتعزيز الصحة النفسية وسكون القلب. فالصلاة تعمل على تهدئة العقل وتوجيه الانتباه نحو الله سبحانه والتسامي عن الأمور الصغيرة، ما يساعد في تقليل التوتر والقلق.
الإيجابية والتفاؤل مما يعود بالنفع الكبير على حالة الاستقرار النفسي، وقد نقل أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ان النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ، وَيَكْرَهُ التشاؤم. وهذا النهج من الإيجابية والقبول بالقضاء والقدر بصبر ورضا، يساعد على تقليل الاكتئاب والغضب وزيادة السلام النفسي.
وحتى صلة الرحم، والتواصل مع الأقارب والإنفاق عليهم وقديم المساعدة في سبيل الله، كل هذه الممارسات، لها آثار إيجابية على الصحة النفسية، فضلا مكانتها العظيمة وثوابها الأخروي، في تحقيق العبودية والقرب من الله سبحانه وتعالى.
أثر الحروب والنزاعات المسلحة على الصحة النفسية
الحروب والنزاعات المسلحة تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية للأفراد والمجتمعات بشكل عام. تترتب على هذه الظروف القاسية مجموعة من التأثيرات النفسية والعاطفية التي يمكن أن تستمر لسنوات بعد انتهاء النزاع.
- اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD): يعاني العديد من الأفراد الذين تعرضوا للنزاعات المسلحة من هذا النوع من الإضطراب. يتميز هذا الاضطراب بالأفكار المتكررة حول الأحداث الصادمة والأحلام المزعجة والقلق المستمر والتفكير المتكرر في الأمور المرتبطة بالنزاع.
- الاكتئاب والقلق: يمكن أن تزيد الحروب من مستويات الاكتئاب والقلق بشكل كبير. الضغوط النفسية وفقدان الأمان يمكن أن يؤديان إلى زيادة مشاكل الصحة النفسية.
- اضطرابات النوم: يعاني العديد من الأفراد من صعوبة في النوم أثناء وبعد النزاعات. تكون الكوابيس والأفكار المستمرة حول التهديدات تجعل النوم صعبًا.
- انخفاض حالة الرضا: يمكن أن تؤدي الحروب إلى انخفاض مستويات الرضا بالحياة بسبب فقدان الأمان والاستقرار وتدمير الممتلكات وفقدان الأحباء.
- الصراعات العائلية: تزيد الضغوط النفسية والاقتصادية الناتجة عن النزاعات من فرص حدوث صراعات داخل الأسرة.
- انعدام الثقة والانفصال الاجتماعي: يمكن أن تؤدي النزاعات إلى انعدام الثقة بين الأفراد والانفصال الاجتماعي، مما يزيد من العزلة والاكتئاب.
وبالتأكيد فقد تتفاوت درجة التأثيرات النفسية للحروب والنزاعات حسب الظروف الفردية والثقافية والاجتماعية، ولكن العديد من الأفراد يحتاجون إلى دعم نفسي واجتماعي لمساعدتهم على التعامل مع هذه الآثار واستعادة صحتهم النفسية.
العلاج النفسي للأطفال والمراهقين
مرحلة الأطفال والمراهقين هي مرحلة صعبة دائما على المراهق وعلى العائلة المحيطة، وذلك لاعتبارات هرمونية وسايكولوجية مختصة بهذه المرحلة العمرية، غير أن من شهد منهم أحداث شديدة كأحداث العنف أو النزاعات المسلحة او التشرد والتهجير، فهؤلاء يجب أن يتم التعامل معهم بحساسية خاصة. إذ أن من مثل هذه الأحداث قد تصحبهم تداعياتها لسنوات طويلة وربما حتى آخر حياتهم.
إليك بعض الخطوات الهامة التي يجب اتخاذها عند التعامل مع هذه الشريحة. مع التأكيد أن العلاج النفسي للأطفال والمراهقين الذين شهدوا أحداث عنف يجب أن يكون شاملاً ومخصصًا لاحتياجات كل فرد، ويجب أن يتم بالتعاون بين مختلف الجهات المعنية والمختصين في الصحة النفسية:
- التقييم النفسي: يجب أن يتم إجراء تقييم نفسي للأطفال والمراهقين الذين تعرضوا للصدمة لتحديد مدى تأثير الأحداث العنيفة على صحتهم النفسية. يمكن أن يشمل التقييم مقابلات مع المختصين النفسيين واستخدام أدوات تقييم نفسية مناسبة.
- الدعم العائلي: يجب تشجيع الدعم العائلي وتقديم المساعدة لأفراد الأسرة في التعامل مع تأثير النزاعات على أطفالهم. قد يكون هذا عبر جلسات العلاج الأسري أو دعم الأسرة في تقديم الرعاية النفسية.
- توفير بيئة آمنة: يجب توفير بيئة آمنة ومستقرة للأطفال والمراهقين. يجب أن يشعروا بالأمان في منازلهم ومدارسهم ومجتمعاتهم.
- التعبير والتفريغ العاطفي: يجب تشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بطرق صحية، سواء من خلال الكلام أو الفن أو الكتابة. هذا يمكن أن يساعدهم في معالجة مشاعرهم.
- العلاج النفسي: يمكن أن يستفيد الأطفال والمراهقون من العلاج النفسي الذي يقدمه المختصون. اذ يمكن استخدام تقنيات العلاج المعرفي السلوكي والعلاج الاستدلالي والعلاج الأسري حسب الحاجة.
- التعليم والتوعية: يجب توعية الأطفال وأسرهم بفهم التأثيرات النفسية للأحداث العنيفة وكيفية التعامل معها بشكل صحيح. يمكن تقديم ورش عمل وموارد تثقيفية للمساعدة في تعزيز الوعي.
- التواصل والدعم المجتمعي: يجب تشجيع التواصل بين المجتمع والمدارس والمؤسسات الاجتماعية لتقديم الدعم للأطفال والمراهقين.
- التعامل مع حالات الأزمات: يجب تزويد الأطفال والمراهقين بمهارات للتعامل مع الأزمات والضغوط المستقبلية.