في ظل التقدم التكنولوجي المتسارع، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حتى بات من النادر أن نجد شخصاً لا يمتلك حساباً على أحد هذه التطبيقات، ورغم الفوائد الكبيرة التي تقدمها، فإنّ لهذه الوسائل جانباً مظلماً يؤثر بشكل مباشر على العلاقات الاجتماعية، لا سيّما العلاقة بين أفراد الأسرة، في وقت كانت فيه الأسرة تجتمع حول مائدة الطعام لتبادل الأحاديث، أصبحت الهواتف الذكية هي الحاضر الأقوى، والصمت هو الضيف الدائم.
الإيجابيات المحتملة لوسائل التواصل الاجتماعي داخل الأسرة
لا يمكن إنكار أن وسائل التواصل الاجتماعي قد سهلت عملية التواصل، خاصة بين أفراد الأسرة الواحدة عندما يكونون متباعدين جغرافيًا، سواء بسبب العمل أو الدراسة، فقد أصبحت المكالمات المرئية والرسائل الفورية وسيلة لتقريب المسافات، مما يسمح بتبادل الأحداث اليومية، ومشاركة الصور، وإحياء المناسبات الخاصة حتى وإن كان الأفراد في بلدان مختلفة.
التأثيرات السلبية على العلاقات الأسرية
لكن في المقابل، فإن الاستخدام المفرط وغير المنظم لهذه الوسائل قد أسهم في تفكك الروابط الأسرية داخل المنزل الواحد، فكم من مرة نجد أفراد الأسرة مجتمعين جسديًا ولكن كل منهم غارق في هاتفه! لم يعد هناك تواصل فعّال، بل أصبح الاهتمام الأكبر بما يحدث على الشاشات الصغيرة، على حساب الوقت العائلي المشترك.
من أبرز السلبيات
• الانعزال العاطفي: حيث يبدأ كل فرد بالانسحاب تدريجيًا من التفاعل مع أسرته، ويجد في العالم الافتراضي بديلاً زائفًا للعلاقات الحقيقية.
• ضعف الحوار الأسري: فغياب الحديث المباشر بين أفراد الأسرة قد يؤدي إلى تراكم المشكلات وسوء الفهم.
• التأثير في الأبناء: حيث يتأثر الأطفال والمراهقون بسلوكيات غير واقعية أو غير مناسبة تُعرض على هذه المنصات، مما قد يؤدي إلى تغيّر سلوكهم وتبنيهم أفكاراً خاطئة.
• انعدام الخصوصية: بعض الأفراد يشاركون تفاصيل حياتهم العائلية على العلن، مما قد يعرّض الأسرة للمشاكل أو الانتقاد.
دور الأهل في تنظيم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي
هنا تبرز أهمية الدور التربوي والتوعوي الذي يجب أن يقوم به الأهل، فمن الضروري أن يكون هناك توازن بين استخدام التكنولوجيا والحفاظ على دفء العلاقات الأسرية، يمكن تحقيق ذلك من خلال:
• تخصيص أوقات خالية من الهاتف، مثل وقت العشاء أو اللقاءات العائلية.
• غرس مفهوم “القدوة”، حيث يجب أن يلتزم الوالدان أولاً بسلوك رقمي معتدل.
• تنظيم نشاطات عائلية ممتعة بعيداً عن الشاشات، كالنزهات أو الألعاب الجماعية.
• الحوار الدائم مع الأبناء حول محتوى ما يشاهدونه وتوجيههم نحو استخدام إيجابي وهادف.
وسائل التواصل الاجتماعي، كغيرها من أدوات العصر الحديث، يمكن أن تكون نعمة أو نقمة، حسب طريقة استخدامها، وإذا كنا نرغب في الحفاظ على قوة الروابط الأسرية واستمرارها، فعلينا أن نتعامل مع هذه الوسائل بوعي، وأن نعيد إحياء الأحاديث العائلية واللقاءات الدافئة، فالتكنولوجيا وُجدت لخدمتنا، لا لتفصلنا عن أحبّائنا.