العمل الإغاثي بين الواقع والتحديات

العمل الإغاثي بين الواقع والتحديات، في عالم يعجّ بالأزمات والكوارث، تبرز أهمية العمل الإغاثي كحبل نجاة للمجتمعات المتضررة، وكسند إنساني يعبّر عن أسمى معاني التكافل والتضامن، فمن الحروب والنزاعات، إلى الكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية، يجد العمل الإغاثي نفسه في مواجهة يومية مع معاناة الإنسان، مستجيباً لحاجاته الأساسية، ومُساهماً في صون كرامته، وإنقاذ حياته.
واقع العمل الإغاثي
العمل الإغاثي يشمل جهوداً منظمة تستهدف توفير المساعدات الطارئة للمجتمعات المنكوبة، سواء كانت مساعدات غذائية أو طبية أو إيوائية، أو حتى تدخلات إنمائية عاجلة، وعلى الرغم من أن هذه الجهود قديمة قِدم الأزمات نفسها، إلا أن العقود الأخيرة شهدت تطوراً ملحوظاً في شكلها وتنظيمها، مع دخول عدد كبير من المنظمات المحلية والدولية إلى هذا الميدان، وتزايد التنسيق بينها وبين الهيئات الأممية والحكومات.
لقد أسهمت التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال في تحسين فعالية الاستجابة الإغاثية، من خلال تسهيل جمع البيانات، وتحديد الأولويات، وتتبع توزيع المساعدات، كما أن إدماج مبادئ “الاستجابة الإنسانية القائمة على الحقوق” عزز من التركيز على كرامة الإنسان، وحقه في الحصول على الدعم دون تمييز.
أبرز التحديات التي تواجه العمل الإغاثي
رغم التقدم، فإن العمل الإغاثي لا يزال يصطدم بجملة من التحديات المتعددة الأبعاد، من أبرزها:
- التحديات الأمنية والسياسية
في كثير من مناطق النزاع، يواجه العاملون في المجال الإغاثي تهديدات مباشرة على حياتهم، من اعتقالات واحتجازات تعسفية، إلى الهجمات المسلحة واستهداف القوافل الإغاثية، كما أن تسييس المساعدات، أو استخدامها كورقة ضغط بين أطراف النزاع، يشكل خطراً على حيادية العمل الإنساني ويقوّض الثقة به.
- القيود المفروضة
تعاني العديد من المنظمات الإغاثية من صعوبات في الوصول إلى المناطق المتضررة بسبب القيود المفروضة من بعض الحكومات أو الجماعات المسيطرة على الأرض، سواء فيما يخص منح التصاريح أو فرض الضرائب أو تقييد حركة العاملين.
- نقص التمويل وتذبذبه
التمويل يمثل العمود الفقري لأي تدخل إنساني، إلا أن العمل الإغاثي غالباً ما يتأثر بتقلبات الدعم المالي، سواء نتيجة ضعف استجابة المانحين أو تغير أولوياتهم، ما يؤثر سلباً على استدامة البرامج والمشاريع.
- تحديات التنسيق والفعالية
في حالات الكوارث الكبرى، تتداخل أدوار العديد من الفاعلين الإنسانيين، ما يخلق أحياناً ازدواجية في الجهود، أو فجوات في الاستجابة، كما أن ضعف التنسيق بين المنظمات العاملة قد يؤدي إلى إهدار الموارد، أو عدم تغطية الفئات الأشد حاجة.
- الاحتياجات المتزايدة مقابل الموارد المحدودة
مع ازدياد عدد الأزمات الإنسانية وتنوعها، تتسع الفجوة بين الاحتياجات الإنسانية والموارد المتاحة، وهذا يتطلب من الجهات الفاعلة تطوير آليات أكثر كفاءة، وتركيز الجهود على بناء قدرات المجتمعات بدلاً من الاقتصار على الدعم الطارئ.
نحو عمل إغاثي أكثر فاعلية
لتجاوز هذه التحديات، من المهم اعتماد مجموعة من المبادئ والإصلاحات الجوهرية، منها:
• تعزيز استقلالية العمل الإنساني وضمان حياديته بعيداً عن التجاذبات السياسية.
• دعم العمل المحلي وتمكين المنظمات الوطنية كشركاء أساسيين في الاستجابة.
• تبني الابتكار في تصميم وتنفيذ البرامج، مثل استخدام التكنولوجيا الرقمية في التوزيع وتحديد المستفيدين.
• الاستثمار في بناء القدرات للعاملين في القطاع الإنساني، وتحسين شروط السلامة والحماية لهم.
• تعزيز التنسيق بين الفاعلين المختلفين، من خلال منصات مشتركة وقواعد بيانات موحدة.
• التركيز على التنمية المستدامة وربط الإغاثة بالتنمية، لتقليل الاعتماد على المساعدات وتحقيق التعافي الشامل للمجتمعات المتضررة.
غزة نموذجاً
العمل الإغاثي بين الواقع والتحديات، منذ بداية الحرب الأخيرة على قطاع غزة، تجسدت معاناة العمل الإغاثي بأقسى صورها، فقد كانت مؤسستنا من أوائل الجهات التي استجابت للكارثة، عبر إطلاق حملات طارئة لتوفير الغذاء، والمياه، والأدوية، واحتياجات الإيواء للنازحين والمتضررين، وكفالة الايتام، وبرغم استمرار جهودنا حتى اليوم، إلا أننا نواجه تحديات جسيمة تعيق تنفيذ المشاريع الإنسانية بالشكل المطلوب.
أبرز هذه التحديات تتجلى في:
• القيود اللوجستية بسبب الحصار المفروض على القطاع وصعوبة إدخال المواد الإغاثية.
• انعدام الأمن مما يعرض طواقمنا والمتطوعين للمخاطر، ويؤثر على القدرة على الوصول إلى بعض المناطق المتضررة.
• الضغط المتزايد على الموارد نتيجة الأعداد الهائلة من المحتاجين مقارنة بالإمكانيات المتوفرة.
• الصعوبات في التنسيق مع الجهات المختلفة العاملة في القطاع بسبب الانهيار شبه الكامل للبنية التحتية والخدمات الأساسية.
ورغم هذه العوائق، فإن التزامنا الإنساني لم يتراجع. نواصل العمل بكل ما نملك، مدفوعين بإيماننا بأن إنقاذ الأرواح وتخفيف الألم واجب لا يقبل التأجيل، وندعو الشركاء والداعمين إلى مواصلة التضامن مع غزة، لأن الحاجة هناك لم تعد طارئة فقط، بل باتت مستمرة وبالغة التعقيد.

العمل الإغاثي هو رسالة إنسانية عظيمة ومسؤولية أخلاقية تتطلب تكاتف الجهود، ورؤية استراتيجية بعيدة المدى، وبينما تتسارع الأزمات وتتعاظم التحديات، يظل الأمل قائماً في قدرة الإنسان على أن يقف بجانب أخيه الإنسان، ليواسيه في محنته، ويسانده في نهوضه.